logo

بحث

د.فندي الدعبل

رؤى جديدة حول فصاحة اللفظ المفرد....

إن القراءة الموضوعية لأي بحث من مباحث الأدب، تقودنا غالباً إلى عدم التسليم بنتائج البحث تسليماً نهائياً، و تذهب إلى اعتماد مبدأ الشك الديكارتي للوقوف على صحة، أو عدم صحة الطروحات أو النتائج النهائية، و هذا ما نعنيه فعلاً  عند تناولنا  بحث فصاحة اللفظ المفرد و جماليات التوظيف، حيث وضع النقاد و البلاغيون مجموعة من الرؤى و الأفكار التي تحكم آليات التوظيف تلك.

إن معظم هذه،الآراء تأتلف على القول بأن البلاغة تكمن في إحداث آلية التلقي بأقل عدد ممكن من الأداء اللفظي، أي الإفهام مع الاقتصاد العددي للألفاظ، و لعل هذا الأمر يشكل مدخلاً مناسباً لمناقشة بعض الافكار التي وردت في العدديين السابقين.

تلعب المفردة الدور الأساسي في تشكيل البيان و في تحسينه و تجميله أيضاً، و قد يرجح جانب التشكيل على التجميل أو العكس و ذلك من خلال تذوقنا و تحسسنا لوقع المفردة على السمع و ما تحدثه من تأثير نفسي عميق في المتلقي، لذلك لا يجوز إطلاق الحكم على مفردات اللغة بالجمال أو القبح لأن الناس متباينون في درجة استيعابهم جمال الأشياء و مختلفون في إدراك النغمات و الإيقاعات المتنوعة.

مع ذلك نجد بعض الآراء تصب في ضرورة توظيف المفردة الجميلة و الاستغناء عن القبيحة للمعنى الواحد، محتكمين بذلك إلى الحس السليم المدرَّب و إلى التذوق الفطري للجمال كمفهوم تطريبي لذيذ، فمن الضروري مثلاً أن نفرِّق بين لفظة الغُصن و لفظة العُسلوج، و بين لفظة المُدامة و لفظة الإسفنط، و بين السيف و الخنشليل، و بين الأسد و الفدكوس، فمن لا يميز و لا يفاضل بين المفردتين يكون شأنه شأن من

 * لا يسوي بين  صورة زنجية مظلمة السواد و صورة رومية شديدة البياض.

لقد شكل البحث عن أسرار البلاغة الهاجس الأكبر لدى النقاد قصد الوصول إلى الشكل الأمثل لجمال التعبير، و معظمهم أجمع أن السر يكمن في الكلمة المفردة، و تمت الإشارة سابقاً إلى أنه من جماليات المفردة أن تكون متباعدة مخارج الحروف، و هذا أمر صحيح نسبياً، لأن تباعد حروف المفردة يجب أن يترافق مع جمال أصوات الحروف التي يجب أن تروق للسمع، أي الأخذ بموسيقا التعبير المحدث لإيقاع غنائي جميل، و إلا فقدت المفردة فصاحتها.

إن هذا الأمر يحتاج دراسة متأنية لفصل خيوطها، فنحن عندما نسمع كلمة و نحسها جميلة غالباً ما نجدها متباعدة الحروف و ليس العكس، بمعنى آخر إن تباعد حروف الكلمة لا يعطيها جمالية ما لم تترافق بجرس و إيقاع موسيقي محبب للنفس دون تدخل العقل في الانتقاء و الاصطفاء، أي الابتعاد عن الرقابة العقلية التي تخفف من وطأة و حرارة الكلمة، فقد قيل إن سر بلاغة العرب هو أنهم يقذفون على ألسنتهم ما تجيش به صدورهم .

مجلة الملتقى

الإصدار الثاني عشر

الإعجابات: 1

التعليقات: 1

المشاهدات: 895

زيدان عبد الملك

كالعادة التي ألفناها من دكتورنا العزيز، يغوص في يم اللغة ويبحث عن المحارات ليقدم لنا لآلئ المفردات العربية ناصعة الجمال، سلمت يداك دكتور فندي