د.فندي الدعبل
البنى الفنية للومضة الشعرية...
أولاً.. تعريف الومضة الشعرية
تُعتبر الومضة إحدى ظواهر الحداثة الشعرية التي بدأت تكشف عن تجليات كثيرة لم تكن معروفة سابقًا على المستوى النقديّ، لكنّها كانت معروفة في المجال الإبداعي شعرًا كان أم نثرًا.
و الومضة تمثّل لحظةً من صفاء الذهن الإبداعي القادر على التقاط الصورة الشّعرية، وتمتاز بالكثير من السمات والميزات التي توسمها في المنظومة الشّعرية.
و لعلّ الشّاعر الفرنسي جاك بريفير هو من الرّواد الأوائل الذين فتحوا الطريق أمام هذا النوع من الشّعر.
ثانياً
مقدمة
طالما أنّ لكلّ شاعر صوته وثقافته وتجربته الخاصة به، فإن الأبنية الفنّية تختلف من شاعر إلى آخر، ومن قصيدة إلى أخرى لدى الشّاعر نفسه، وذلك تبعًا للحالة التي تُنتج القصيدة على المستوى النفسي والشّعوري و الفكري.
وهنا نستطيع القول أنّه عندما تكون الحالة الفكرية معقدة فإنّ الشاعر يحتاج للتعبير عن أفكاره إلى القصيدة الطويلة التي قد تصل أحياناً إلى كتاب شبيه بالعمل الرّوائي كما هو الحال في قصيدة ( المفرد بصيغة الجمع ) لأدونيس، أو كما في قصيدة ( الملاجة) لمحمد عمران.
أمّا عندما تكون الحالة الفكرية أو النّفسيّة عبارة عن شحنة قصيرة من العاطفة، فالشّاعر لا يحتاج المطولات وإنّما يحتاج القصيدة الومضة ذات المعمارية المكثّفة جدّاً.
وقد نجد نموذجًا مختلطًا يمزج بين القصيدة الطويلة والقصيدة الومضة، ولعل ذلك ما يشكّل هاجسًا مُلحًّا لدى شريحة واسعة من النّقاد لإعادة دراسة الشّعر العربي القديم ورصد ظاهرة الومض فيه، وفي كلّ الأحوال يتفق معظم النّقاد أنّ القصيدة القصيرة تمثّل تصويرًا لموقف عاطفي في اتجاه واحد.
لكنّ مصطلح القصيدة القصيرة لا وجود له في المنظومة الشّعرية العربيّة وذلك بعكس المنظومات النثريّة التي ينضوي تحتها ما يعرف بالقصّة القصيرة أو القصّة القصيرة جدًا، و طالما أنّ النّصّ الشّعري لا يُسمى قصيدةً إلا إذا بلغ سبعة أبيات فما فوق، فما كان دون ذلك أطلق عليه اسم الرباعيّات أو الثلاثيّات أو الخماسيات أو المقطوعات أو غيرها من التسميات، أمّا في العصر الحديث فقد أطلق عليها اسم الومضة الشّعرية للتعبير عن قصرها المكثف.
ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أنّ النّقد العربيّ القديم قد أولى اهتمامًا بالغًا بوحدة البيت وصياغته شكلاً ومضمونًا، و أشاروا إلى اكتفاء البيت بذاته لأنّه يشكّل ملمحًا وامضًا برقيًّا، و حكموا على فحولة الشّاعر من خلال بيت قاله.
هذا وقد وضع النّقاد أشكالاً عديدة لمعماريّة الومضة الشّعريّة، لكنّها كانت طروحات تفتقد إلى المعايرة السليمة للمفاهيم النّقديّة السّاعية إلى تأصيل الومضة كملمح شعريّ مستقلٍ عن القصيدة أو المقطوعة أو غيرها من التصنيفات الشّعريّة المختلفة.
لكنّنا وجدنا في دراسة الناقد الدكتور خليل الموسى عن الومضة الشعرية ما يشفي و يرضي الذائقة النّقديّة، لما تتمتع بها من رؤيةٍ واضحةٍ غير مبهمةٍ، ونضجٍ معرفيّ مؤسّسٍ على خبرات ونتائج البحث والسبر والتّقصي، وقد رصد د.خليل، خمسة أشكالٍ للومضة الشّعريّة.
هذا وسنتطرق إلى البنى المعمارية أو الأشكال الفنيّة للومضة الشعرية في العدد القادم من مجلة الملتقى.
مجلة الملتقى
الإصدار السادس عشر
الإعجابات: 3
التعليقات: 2
المشاهدات: 696
زياد القنطار
هذه اللغة النقدية، تشكل فارقاً في شفافيتها وعذوبتها ونهجها التعليمي. هكذا يكون المبدع.في خضم مهمته الأدبية، وهكذا نريد لغة النقد بعيدة عن العسر يسيرة التلقي همها الإفهام وليس الاستعراض.. محبتي ياحكيم
نزار الشوفي
من البحوث المحببة لقلبي جداً .. كل الشكر لقلمكم المتميز والقدير دائماً في إيصال معلومته بأجمل وأبهى صورة